فصل: (سورة النساء: آية 92):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

تحدث ابن هشام عن هذه الآية فأتى بالممتع حيث قال: قوله: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} فذهب الجمهور إلى أن {حصرت صدورهم} جملة خبرية، ثم اختلفوا، فقال جماعة منهم الأخفش:
هي حال من فاعل جاء على إضمار قد، واعلم أن إضمار قد واجب عند البصريين، فيقولون: إن الجملة الماضوية إذا وقعت حالا لابد من اقترانها بقد ظاهرة أو مقدرة. وأما الأخفش فلا يرى وجوبها مع الماضي إذا وقع حالا، فيقول: إن الجملة الماضوية تقع حالا وتقترن بقد إن وجدت، فإن لم توجد فلا تحتاج إلى تقدير.
ويؤيده قراءة الحسن: {حصرة صدورهم} أي: حال كونها حصرة، أي: ضيقة. وقال آخرون: هي صفة فلا تحتاج إلى إضمار قد.
ثم اختلف هؤلاء، فقيل: الموصوف منصوب محذوف، أي: قوما حصرت صدورهم، ورأوا أن إضمار الاسم أسهل من إضمار حرف.
وقيل: مخفوض مذكور، وهم قوم المتقدم ذكرهم، فلا إضمار البتة. وما بينهما اعتراض. ويؤيده أنه قرئ بإسقاط أو، وعلى ذلك يكون {جاءوكم} صفة لقوم ويكون {حصرت} صفة ثانية.
وقيل: بدل اشتمال من جاءوكم، لأن المجيء مشتمل على الحصر، وفيه بعد، لأن الحصر صفة الجائين.
قال أبو العباس المبرد: الجملة انشائية، ومعناها الدعاء، مثل غلت أيديهم، فهي مستأنفة. وردّ بأن الدعاء عليهم بضيق قلوبهم عن قتال قومهم لا يتجه. وأجيب بأن المراد الدعاء عليهم بسلب أهلية القتال بالمرة تحقيرا لهم.
مناقشة حول اللام في {ولقاتلوكم}:
سمى ابن عطية هذه اللام لام المحاذاة والازدواج، لأنها بمثابة الأولى. ولو لم تكن الأولى كنت تقول: لقاتلوكم، وقال أبو حيّان تعقيبا على ذلك: وتسمية هذه اللام لام المحاذاة والازدواج تسمية غريبة، ولم أر ذلك إلا في عبارة هذا الرجل وعبارة مكي قبله.
تعقيب على هذه المناقشة:
قلت: ولا طائل تحت هذه المناقشة التي تضل الطالب، ولا تجدي شيئا. ولقد أشرت إلى هذا في باب الاعراب، فهي ليست أكثر من توكيد للجواب، فهي من باب التكرير والإبدال. وإنما أوردناها للاستئناس، وليكون الطالب في منجاة من الاغترار بالتسمية الموهمة عند ما يقع عليها في إعرابهم.

.[سورة النساء: آية 91]:

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطانًا مُبِينًا (91)}

.اللغة:

{أُرْكِسُوا فِيها}: انقلبوا فيها شر منقلب. وقد مر ذكره.
{ثَقِفْتُمُوهُمْ} ثقف الشيء ثقفا من باب تعب: أخذه، وثقفت الرجل في الحرب: أدركته، وثقفته: ظفرت به، وثقفت الحديث: فهمته بسرعة. والتثقيف في الأصل: تقويم المعوّج من الرماح والقصب وتسويته. وقد نجم عن هذا المعنى: تثقيف الغلام أي: تهذيبه وتقويم سلوكه، ثم صار الثقف يعني الحذر وسرعة الفهم. وتجدد المعنى أخيرا في عصرنا فأصبح خاصا بالعلم والثقافة في المعرفة، وعلى هذا الأساس نلاحظ تطور اللغة في كل قطر عربي، كما رأى أبناء كل جيل في كل بلد من بلاد الناس كيف ارتقت لغتهم بارتقائهم، وتردّت بتردّيهم. التطور الحي في اللغة:
وهكذا ما من حدث اجتماعي أو نهضة علمية أو سياسية إلا صحبها تطور في اللغة أو المعاني أو في كليهما معا، نعني في إحداث ألفاظ جديدة لبعض المعاني، أو احداث معان جديدة لبعض الألفاظ، أو في ذلك كله. وما من أحد ألمّ بتاريخ العرب وآدابهم يجهل ما أحدث الإسلام مثلا من ثورة لغوية إلى جانب الثورة الدينية والاجتماعية والفكرية.
وستأتي معنا نماذج حية من هذا التطور الحيّ في هذا الكتاب العجيب.
ومن هذا المنطلق تتبين ضرورة هذا الكتاب لناشئتنا المتطورة، لترى على ضوئه أسرار ما تجمع، وتبصر على وهجه معنى الحركة في عقل الماضين، وبذلك يستمر العقل اللغوي في منحى الحركة المتطورة بدلا من ركوده في سكون مادة كانت يوما من مقذوفات العقل اللغوي المتحرك.

.الإعراب:

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ} كلام مستأنف مسوق لتقرير حال قوم آخرين من المنافقين غير من سبق الإلماع إليهم. والسين للاستقبال الاستمراري، وسيأتي بحث ظريف عنها في باب الفوائد.
وتجدون فعل مضارع وفاعله، وآخرين مفعول به وجملة يريدون صفة لآخرين، وأن وما في حيزها مصدر مؤول مفعول ليريدون {وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ} عطف على ما تقدم {كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها} كلما ظرف زمان متضمن معنى الشرط، وقد تقدم إعرابه. وجملة ردوا إلى الفتنة في محل جر بالإضافة، أو لا محل لها لأنها صلة الموصول الحرفي، والواو نائب فاعل وجملة أركسوا فيها لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وفيها متعلقان بأركسوا {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} الفاء استئنافية، وإن شرطية، ولم حرف نفي وقلب وجزم ويعتزلوكم فعل مضارع مجزوم بلم وهو في محل جزم فعل الشرط، ويلقوا إليكم السلم عطف عليه {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} الفاء رابطة للجواب، وجملة خذوهم في محل جزم جواب الشرط، واقتلوهم: عطف على خذوهم، وحيث ظرف مكان مبني على الضم متعلق باقتلوهم، وجملة ثقفتموهم في محل جر بالإضافة {وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطانًا مُبِينًا} الواو عاطفة، وأولئكم اسم اشارة مبتدأ. وجملة جعلنا خبر، لكم جار ومجرور في محل نصب مفعول به أول وعليهم متعلقان بمحذوف حال، وسلطانا مفعول به ثان، ومبينا صفة.

.الفوائد:

بحث هام عن السين:
السين حرف يدخل على الفعل المضارع فيخلصه إلى الاستقبال والاستمرار، وأتى بالسين هنا إشارة إلى أن عبثهم بالمؤمنين هذا أمر مستمر، وإن كان قد مضى، وذلك أن رجالا من الكفار كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا لأجل أن لا يقاتلوهم، وإذا أتوا لقومهم كفروا.
فأتى المولى سبحانه وتعالى بالسين إشارة إلى أن حالتهم هذه هي ديدن مستمر لهم، وأنهم لم يتركوه، وإن كان ذلك قد وقع فيما مضى.
وزعم ابن هشام أن الاستمرار إنما استفيد من المضارع، كما تقول:
فلان يقري الضيف، ويصنع الجميل. تريد أن ذلك دأبه. والسين مفيدة للاستقبال، إذ الاستمرار لا يكون إلا في المستقبل. وزعم الزمخشري أنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة، ولم أر من فهم وجه ذلك. ووجهه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل، فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه، لأنه إخبار على إخبار، والمتعلق واحد.

.[سورة النساء: آية 92]:

{وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}

.اللغة:

{الدية}: هي في الأصل مصدر، ثم أطلقت على المال المأخوذ في القتل. يقال: ودى يدي دية،، كوشى يشي شية ووشيا فحذفت فاء الكلمة.

.الإعراب:

{وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} كلام مستأنف مسوق لتقرير أحكام القتل. والواو استئنافية وما نافية وهي هنا بمعنى النهي المقتضي للتحريم، وكان فعل ماض ناقص ولمؤمن متعلقان بمحذوف خبر كان المقدم، وأن يقتل مؤمنا مصدر مؤول اسم كان المؤخر، وإلا أداة حصر، وخطأ يجوز فيه أن يكون حالا مؤوّلة بالمشتقّ أي:
مخطئا، أو منصوب بنزع الخافض أي: إلا بخطأ، أو مفعول مطلق على الوصف، أي: قتلا خطأ، أو مفعولا لأجله، وقدمه الزمخشري على غيره من الوجوه، قال: فإن قلت بم انتصب خطأ؟ قلت: بأنه مفعول له، أي: ما ينبغي له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده.
وعندي أن الأوجه متساوية، وسيرد في باب الفوائد مزيد من البحث فيه. {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الواو استئنافية، ومن اسم شرط جازم مبتدأ، وقتل فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، ومؤمنا مفعول به وخطأ تقدم القول في إعرابه، فتحرير الفاء رابطة لجواب الشرط، وتحرير مبتدأ خبره محذوف، أي: فعليه تحرير رقبة وهو أولى وأنسب من جعله خبرا لمبتدأ محذوف، أي: فالواجب تحرير رقبة، ومؤمنة صفة لرقبة، والجملة الاسمية المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر من {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} الواو عاطفة ودية عطف على تحرير رقبة، ومسلمة صفة، والى أهله متعلقان بمسلّمة، وإلا أن يصدقوا استثناء من أعم الأحوال أو من أعم الظروف، أي إلا في حال الصدقة، فهي حال أو حين يتصدّقون، فهي ظرف متعلق بمسلمة. وسيأتي بسط لذلك في باب الفوائد. هذا وقيل: إنه مستثنى منقطع {فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} الفاء استئنافية وإن شرطية جازمة، وكان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط، واسم كان مستتر تقديره هو، ومن قوم متعلقان بمحذوف خبر كان، وعدو صفة لقوم، ولكم متعلقان بمحذوف صفة لعدو {وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الواو حالية، وهو مبتدأ ومؤمن خبر، والجملة في محل نصب حال، وتحرير مبتدأ خبره محذوف أي: فعليه تحرير رقبة، وقد تقدم إعرابه {وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ} الواو عاطفة، وإن شرطية، وكان واسمها المستتر، ومن قوم خبرها، وبينكم ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وبينهم عطف على بينكم، وميثاق مبتدأ مؤخر. {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ} الفاء رابطة، ودية مبتدأ خبره محذوف، أي: فعليه دية، ويجوز العكس، وقد تقدم.
ومسلمة صفة، والى أهله متعلقان بمسلمة {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} عطف على ما تقدم {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ} الفاء استئنافية، ومن اسم شرط جازم مبتدأ، ولم يجد في محل جزم فعل الشرط، والفاء رابطة لجواب الشرط، وصيام مبتدأ خبره محذوف، أو بالعكس، وجملة فصيام في محل جزم جواب الشرط وشهرين مضاف اليه ومتتابعين صفة وفعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من. {تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} توبة مفعول لأجله، أي: شرع ذلك لكم رحمة منه ومتابا. ويجوز نصبه على المفعولية المطلقة، أي تاب عليكم توبة، ومن اللّه صفة، والواو استئنافية، وكان واسمها، وعليما حكيما خبراها.

.الفوائد:

1- القول في خطأ:
قلت في الاعراب: إنه يجوز إعراب خطأ مستثنى منقطعا، لأنه ليس من الاول، ولا يدخل الخطأ تحت التكليف.
والمعنى: لكن إن قتل خطأ فحكمه كذا، وهو إعراب جميل. وقد جنح إلى هذا الاعراب أبو البقاء وأبو حيان، وهو ما اختاره أيضا سيبويه والزّجّاج والطبري، وهو من الاستثناء المنقطع الواجب النصب، والذي يسميه أهل العربية: منقطعا، ومنه قول جرير:
من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ ** على الأرض إلا ريط برد مرحّل

يعني: ولم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس ذيل البرد من الأرض.
2- القول في {إلا أن يصدقوا}:
قلت في الاعراب: إنه يجوز جعل {أن يصدقوا} مستثنى من أعم الظروف، فهو ظرف. وقد استبعد أبو حيان هذا التخريج قال: أما جعل أن وما بعدها ظرفا فلا يجوز. نص النحويون على ذلك، ومنعوا أن يقال: أجيئك أن يصيح الديك تريد وقت صياح الديك. وأما أن ينسبك منها مصدر فيكون في موضع الحال، فنصوا أيضا على أنه لا يجوز. قال سيبويه: في قول العرب: أنت الرجل أن تنازل وتخاصم في معنى أنت الرجل نزالا وخصومة، أن انتصاب المفعول من أجله، لأن المستقبل لا يكون حالا، فعلى هذا الذي قررناه يكون كونه استثناء منقطعا هو الصواب.

.[سورة النساء: آية 93]:

{ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظِيمًا (93)}

.الإعراب:

{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فِيها} الواو استئنافية، والكلام مستأنف مسوق لتهديد القاتل وتجريمه. ومن اسم شرط جازم مبتدأ ويقتل فعل الشرط، ومؤمنا مفعول به، ومتعمدا حال، فجزاؤه الفاء رابطة لجواب الشرط، وجزاؤه مبتدأ وجهنم خبره أو بالعكس، والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر من، وخالدا حال، وفيها متعلقان بـ {خالدا} {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} الواو عاطفة على مقدر لابد منه لينسجم الكلام، وهذا المقدر تدل عليه الشرطية، أي: حكم اللّه بأن جزاءه ذلك وغضب عليه {وَأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظِيمًا} عطف أيضا.

.البلاغة:

في هذه الآية فنّ مراعاة النظير، وقد سبق القول فيه. وهو أن يأتي المتكلم بما يناسب المحتوى، وقد حفلت هذه الآية بالألفاظ الدالة على الغضب والتهديد والوعيد والإرعاد والإبراق، للاشارة إلى أن جريمة القتل من أكبر الجرائم وأشدها إمعانا في الشر، لما يترتب عليها من هدم لبناء المجتمع. وما أجمل قول النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذا الصدد: إن هذا الإنسان بنيان اللّه، ملعون من هدم بنيانه.

.[سورة النساء: آية 94]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}

.اللغة:

{السَّلامَ} والسّلم بفتح السين واللام: التحية والاستسلام.
وقد قرئ بهما.
{ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ}: سرتم فيها لتجارة أو غزوة.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تقدّم إعرابها {إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} كلام مستأنف مسوق للتحذير من الإقدام على القتل. وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بالجواب، وجملة ضربتم في محل جر بالإضافة، وفي سبيل اللّه متعلقان بضربتم، والفاء رابطة لجواب إذا، وتبينوا فعل أمر والواو فاعل، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} الواو عاطفة، ولا ناهية، وتقولوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل، ولمن متعلقان بتقولوا، وجملة ألقى إليكم السلام صلة الموصول، وإليكم متعلقان بألقى، والسلام مفعول به، وجملة {لست مؤمنا} في محل نصب مقول القول، ومؤمنا خبر لست {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا} الجملة حالية من فاعل تقولوا، أي: لا تقولوا تلك المقالة طالبين الغنيمة والعرض الفاني {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ} الفاء تعليلية للنهي، والجملة لا محل لها، وعند اللّه ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، ومغانم مبتدأ مؤخر، وكثيرة صفة {كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} الجملة مستأنفة مسوقة لتشبيه حالتهم الراهنة بحالتهم التي كانوا عليها، وكذلك جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم لكنتم أو الكاف الاسمية وحدها خبر كنتم المقدم وذلك مضاف اليه، ومن حرف جر وقبل ظرف مبني على الضم لقطعه عن الاضافة لفظا لا معنى، متعلق بمحذوف حال، فمنّ الفاء عاطفة، وجملة منّ اللّه معطوفة على كنتم، وعليكم متعلقان بمنّ {فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} جعلها المعربون عامة عاطفة على تبينوا الأولى، وكرر الأمر بالتبيين تأكيدا. وعندي أن الفاء هي الفصيحة، وأنه ليس هناك تأكيد، لأن الأمر الأول خاص بمن تقتلونه، والأمر الثاني عام، كأنما هو يقرر حكما شاملا، أي: إذا عرفتم هذا وأدركتم عواقبه فتبينوا.
وإن اللّه إن واسمها، وجملة كان وما بعدها خبرها، والجملة للتعليل، وخبيرا خبر كان، وجملة تعملون لا محل لها صلة ما، وبما متعلقان بـ {خبيرا}.